السيفُ أصدقُ أنباءً منَ الكتبِ ... في حدِّهِ الحدُّ بينَ الجَدِّ واللَّعِبِ

بيضُ الصفائحِ لا سودُ الصحائفِ في ... مُتُونِهِنَّ جلاءُ الشكِّ والرِّيـَـبِ

والعلمُ في شهبِ الأرمـاحِ لامعة ... بين الخميسين لا في السبعةِ الشُّهُبِ

أينَ الرواية بل أين النجوم وما ... صاغوه متن زخرفٍ فيها ومن كذِبِ؟

عجائباً زعموا الأيام مجـلفةً ... عنهن في صفر الأصفار أو رجبِ

وخوّفوا الناس من دهياء مظلمةٍ ... إذا بدا الكوكبُ الغربي ذو الذنبِ

وصيّروا الأبرُجَ العلياء مرتبةً ... ما كان منقلباً أو غير منقلبِ

يقضون بالأمر عنها وهي غافلةُ ... ما دار في فلكٍ منها وفي قطب

لو بَيَّنَتْ قـَطُّ أمراً قبل موقعهِ ... لم تخف ما حلَّ بالأوثان والصلبِ

فتحُ الفتوحِ تعالى أن يحيطَ به ... نظمٌ من الشعرِ أو نثرٌ من الخُطَبِ

فتحٌ تَفَتَّح أبوابُ السماء له ... وتبْرزُ الأرض في أثوابها القُشُبِ

يايومَ وقعةِ (عموريةَ) انصرفتْ ... عنك المنى حفلاً معسولةَ الحلبِ

أبقيت جد بني الإسلام في صعـَدٍ ... والمشركين ودارَ الشركِ في صَبَبِ

لقد تركتَ أميرَ المؤمنين بها ... للنار يوماً ذليلَ الصـَّخر والخشبِ

غادرتَ فيها بهيمَ الليلِ وهو ضحى ... يُقِلُّهُ وسْطـَها صبحٌ من اللهبِ

حتى كأن جلابيبَ الدجى رغبتْ ... عن لونها أو كأن الشمسَ لم تَغِبِ

ضوءٌ من النار والظلماءُ عاكفةٌ ... و ظلمةٌ من دخانٍ في ضحى شحبِ

وحسنُ منقلبٍ تبدو عواقبُه ... جاءت بشا شتُهُ عن سوءِ منقلبِ

لم يعلم الكفر كم من أعصر كمنت ... له المنيةُ بين السمرِ والقضبِ

تدبير معتصمٍ با لله منتقم ... لله مرتقبٍ في الله مرتغبِ

لم يغز قوماً ولم ينهدْ إلى بلدٍ ... إلا تَقَدَّمهُ جيشٌ من الرعبِ

لو لم يقدْ جحفلاً يومَ الوغى لَغَدا ... من نفسه وحدها في جحفلٍ لَجِبِ

رمى بك الله برجيها فهدَّمَها ... ولو رمى بك غيرُ الله لم تُصِبِ

أجبتَهُ معلناً بالسيف منصلتاً ... ولو أجبت بغير السيف لم تُجِبِ

حتى تركتَ عمودَ الشركِ منْقَعِراً ... ولم تُعَرِّجْ على الأوتادِ والطَنَبِ

إن الأسودَ أسود الغابِ همـَّتُها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السلبِ

تسعون ألفاً كأساد الشرى نضجت ... جلودُهم قبل نضجِ التين و العنبِ

يارُبَّ حوباءَ لما أجتَثَّ دابرهم ... طابت و لو ضُمِخَت بالمسكِ لم تَطِبِ

خليفةَ اللهِ جازى اللهُ سعيَكَ عن ... جرثومة الدين و الإسلام والحسبِ

بصرتَ بالراحة الكبرى فلم ترها ... تُنالُ إلاّ على جسرٍ من التعبِ

أبقيت بني الأصفر المصفرِ كاسمِهمُ ... صُفرَ الوجوهِ وجَلَّتْ أوجُهُ العربِ
أبو تمام

ليست هناك تعليقات: