[محنة أصحاب الهمم العلية]

البلايا على مقادير الرجال . فكثير من الناس تراهم ساكنين راضين بما عندهم من دين و دنيا .

و أولئك قوم لم يرادوا لمقامات الصبر الرفيعة ، أو علم ضعفهم عن مقاومة البلاء فلطف بهم .

إنما المحنة العظمى أن ترزق همة عالية لا تقنع منك إلا بتحقيق الورع و تجويد الدين ، و كمال العلم ، ثم تبتلى بنفس تميل إلى المباحات ، و تدعي أنها تجمع بذلك همها ، و تشفي مرضها ، لتقبل مزاحه العلة على تحصيل الفضائل .

و هاتان الحالتان كضدين ، لأن الدنيا و الآخرة ضرتان .

و اللازم في هذا المقام مراعات الواجبات ، و ألا يفسح للنفس في مباح لا يؤمن أن يتعدى منه إعراض عن واجب ودع المبتلى يصيح ، فلأن يبكي الطفل خير من أن يبكي الوالد .

و اعلم أن فتح باب المباحات ربما جر أذى كثير في الدين فأوثق السكر قبل فتح الماء ، و البس الدرع قبل لقاء الحرب ، و تلمح عواقب ما تجني قبل تحريك اليد و استظهر في الحذر باجتناب ما يخاف منه و إن لم يتيقن .

أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق