بداية أود أن أشكر كل من اهتم بالتعليق على مقالى السابق ، وكذا كل من أرسل إلى رسالة على بريدى الإلكترونى ، أشكر الجميع ، كما أود أن أشير إلى أن هذا الطوفان من التعليقات والرسائل - التى فاقت كل قدرة لدى على التوقع - أقول هذا الطوفان لا علاقة له بموهبتى فى الكتابة أو الصياغة أو السرد - وإنما هى مظاهرة حب - ذات أثر بالغ الدلالة- للشيخ ياسر وللدعوة السلفية ، والواقع أن ردة الفعل على هذا المقال جعلت منه مقالاً مفصلياً فى حياتى الشخصية والدعوية ، أجبرتنى على تأمل طويل ، ما زلت أقوم به إلى الآن لأفهم وأتعلم وأستخلص .
أود أيضاً قبل أن أشرع فى - حكاية الشردوحة - أود أن أنوه إلى أن مقالى المنشور هنا فى الأسبوع الماضى كان نسخة مصغرة من مقال أطول نُشر على صفحتى فى موقع طريق الإسلام وكان عنوانه ( الرد الدامى فى الدفاع عن الشيخ ياسر برهامى ) للرد على الأستاذ عبدالله كمال ، ومجلة روزاليوسف ، فى هجومهما على شيوخ الدعوة السلفية ، خاصة شيوخ الأسكندرية ، وبالأخص الشيخ الفاضل ياسر برهامى ، وقد خصصت المجلة جزءاً كبيراً ، من العدد الأخير ، لنفس الغرض ، ولكن الجديد أن الأستاذ عبد الله كمال ، خصص صفحة كاملة ، ليزف لقراء المجلة خبراً هاماً ، ألا وهو دعوتهم لإنتظار رده ( غير الدامى ) على السلفية وأتباع برهامى ، مستعيراً بذلك عنوان مقالى ، فيما يبدو منه ، أنه سيرد على ما جاء فيه ، المهم وفى إنتظار هذا الرد ، رأيت أن آخذ قراءى الأعزاء إلى استراحة محارب ، بعيداً عن هذا الموضوع تماماً ، كى أعطى نفسى وإخوانى هدنة لإلتقاط الأنفاس ، وأن أجعل مقال الليلة ، كما لو كان حكاية قبل النوم ، نلطف بها الأجواء بحكاية طريفة حدثت فى غابر الأزمان .
كان يا ما كان ، يا سعد يا إكرام ، وما يحلى الكلام إلا بذكر النبى – عليه الصلاة والسلام – كان فيه زمان مهنة حقيرة ، ودنيئة ، وكانت من تمتهن هذه المهنة ، تسمى الشردوحة ، كان دور هذه الشردوحة ، هو أنها تُستأجر من قبل شخص ما ، أو جهة ما لتقوم بالشردحة ، ضد شخص ما آخر ، أو جهة ما أخرى ، وبالطبع لم تكن هذه الشردحة لوجه الله ، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، و الله ورسوله ينهون عن الخوض فى أعراض الخلق ، أو التعرض للناس مُسلِمِهم وكافِرِهم بأى إيذاء ، خاصة لو كان الذين سيتعرضون للشردحة مثلاً لهم مكانة إجتماعية، أو دينية ، أو وجاهة ما ، فهنا تكون الشردحة أقبح ، وأشنع ، ويكون فعل الشردوحة فوق المستبشع ، المهم تقوم جهة ما أو شخص ما، باستئجار الشردوحة ، لتقوم بعمل فضيحة بجلاجل ، لشخص ما أو جهة ما .
ونظراً لدناءة هذه المهنة ، وحقارتها ، كان لابد أن تتوفر فى صاحبتها صفات معينة ، منها مثلاً : أن الشردوحة تكون تبعاً لمن يدفع ، بغض النظر عن أى قيم أو مبادىء ، وبغض النظر هل الذى إستأجرها ، صاحب حق أم لا ، كل هذا لا يعنى الشردوحة ، إنما الذى يعنيها ويُحركها ، شىء واحد ألا وهو ( معبودها ) ، المال ، والخميصة ، والمنصب ، والأضواء ، ألا ما أتعسها من شردوحة .
من صفات الشردوحة أيضاً ، أنه ليس لديها عزيز ، فاليوم تُشردح لفلان ، وتجعله مثلاً : أحقر رجل ، أو أجهل رجل ، أو ربما صورت لعشيرته أو جيرانه أنه أخطر رجل ، فإذا دفع لها أكثر جعلته فريد زمانه ، وواحد دهره ، وانقلبت على سيدها السابق ، دون أن يصيب وجهها الحقير ، ذرة من حمرة الخجل ، ألا ما أحقرها من شردوحة .
ومن غرائب أخلاق الشردوحة أنها حين يصيب نشاطها حالة من الركود ، فإنها تفتش فى دفاترها الحقيرة ، فإذا بها تذهب إلى واحد من الذين نهشت عرضهم بالأجر ، فتعتذر له ، وتعترف أنها فعلت ما فعلت بإيعاز من فلان ، ثم وبخسة ودناءة تأنفها الحيوانات ، تعرض عليه أن تذهب إلى هذا الفلان ، فتعطيه وصلة شردحة ، مقابل أن يعطيها شيئاً من المال .
من أخلاق الشردوحة أنه ليس لديها ما تبكى عليه ، ليس عندها حياء ، ولا حشمة لها ولا مروءة ، لذا فهى تقول كل ما تراه يلوث أعراض الشرفاء ، ويطعن فيهم ، دون أن تهتم بأن كلامها ، لا ينطلى ولا على البلهاء ، هذا لا يعنى الشردوحة فى شىء ، الشردوحة - أعزكم الله ووقاكم شر الشراديح الجُدد - لا يعنيها نظرة الناس لها ، ولا احتقار الجميع لأفعالها ، إنما كل ما يعنيها الدرهم ، والخميصة .
فاتنى أن أقول لكم ، أن الشردوحة لم تكن تنصرف عمن تقوم بالشردحة له ، إلا إذا أحضروا الماء النجس من الكنيف – أعزكم الله- فلطخوها به ، هنا فقط تنصرف الشردوحة وقد تلطخت ، فازدادت خبالاً على خبال .
لا شك أن الذى يُبتلى بالشردوحة ، قد ابتلى بأمر جلل ، تصور نفسك طبيب محترم ، أو أستاذ وقور ، أغلى ما تملك حشمتك ، ومروءتك ، وبينما أنت فى بيتك ، إذا طلعت عليك شردوحة حقيرة ، فاتهمتك بأنك وقعت بها ، أو هتكت عرضها ، وأقسمت الأيمان الغلاظ على ذلك ، والناس عندهم إستعداد غريب للتصديق ، خاصة وأن شراديح عصرنا - وما أوفرهم ، وأشهرهم - شراديح عصرنا كاللصوص ، يسبق أسماء بعضهم ألقاب كبيرة ، ومواقع مؤثرة وبالتالى يستطيعون تسخير هذه الإمكانيات فى نشر أكاذيبهم ، ويزداد الكمد ، وتعظم البلية حين يكون من يتعرض للشردحة ، إمكانياته متواضعه !! تصور نفسك ، شخص مسالم ، محترم ، فى حالك ، إذ طلعت عليك هذه الشرشوحة التى لا ترقب فيك إلا ولا ذمة !! فما أعظمه من ابتلاء .
بمرور الزمن تطورت هذه المهنة كثيراً ، وأصبحت هناك الشردوحة ، والشردوح من بنى البشر ، وتطورت أكثر حتى انتقلت من بنى البشر ، فظهرت فى صورة قناة فضائية تشردح للناس ، وظهرت صحيفة شردوحة ، ومجلة شردوحة ، فالله المستعان .
من أجل هذا فإن التعامل مع الشردوحة يكون بطريقتين لا ثالث لهما : إما أن تأتى لها بشردوحة مثلها ، وهذا قد لا يحسنه أصحاب المروءات ، وأهل العلم والفضل .
والسبيل الثانى : أن تستمر فى طريقك ، وتترك الشرشوحة لله ، الذى يدافع عن الذين آمنوا ، والذى يُمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، والذى يغضب لأولياءه ، لكن قد يؤخر إنتقامه لحكمة ، تذكر أنك لست أفضل ، من أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم ، وأطهرهم ، وأشرفهم ، وأوفرهم حشمة ، ومروءة ومع ذلك ، إتُهِمت أحب خلق الله إلى قلبه ، بالفاحشة ، فأى ابتلاء أعظم ؟؟ ومع ذلك تأخرت البراءة شهراً كاملاً .
الشرفاء الذين يخشون أن تتلوث ذيولهم من الشردوحة ، يعتصمون بالله ، ومنهجهم : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ً ، خاصة أن هؤلاء الشرفاء ، مر عليهم عشرات الشراديح ، الذين استعملهم أسيادهم لنهش عرض الشرفاء ، وفى النهاية ؟؟ ذهب الشراديح ، وبقيت قوافل الخير ، تعلم الناس الهدى .
إذا كنت ممن تعرضت لك شردوحة ، فسأعطيك سلاحاً فتاكاً - أقسم بالله أنه لا يخيب أبداً – أقول لكل من شردحته شردوحة قم فى الثلث الأخير من الليل ، فأحسن الوضوء ، ثم صُف قدميك لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، فأطل القيام والركوع ، حتى إذا سجدت ، فأطل السجود جداً جداً ، ثم قل من جوفك : إنى مغلوب فانتصر .
سَبَ رجلٌ ، يحى بن معين ، فلم يرد عليه يحى ، فقالوا له : لماذا لم ترد عليه ؟ قال : ولماذا تعلمت العلم إذن !!
وسب رجل الأحنف بن قيس ، فلم يرد عليه ولكن أصابته حمى من الغيظ ثلاثة أيام ، فقالوا له ، لماذا لم ترد عليه ؟ قال : خشيت أن أسمع ما هو أسوأ .
و قال رجلُ لعمرو بن عبيد : إن الأسواري مازال يذكُرك في قصصه بشرٍ ،فقال له عمرو : يا هذا ، أعلمه أن الموت يعُمُنا، والقبر يضْمُنا، والقيامة تجْمَعُنا ، والله – تعالى – يحكم بيننا وهو خير الحاكمين .
تنويه واجب : استعرت حكاية الشردوحة من حلقة للأستاذ عمرو أديب من برنامج القاهرة اليوم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق