تقول أسطورة شعبية أنه كان في غابة من الغابات يعيش أسد وضبع وثعلب ، وكان الضبع شديد الكراهية للثعلب لما
متعه الله به من جمال خلق ووفور عقل ، فكان كلما قابله ضربه على رأسه ضربة شديدة قائلاً له : ( أين غطاء رأسك
؟! ) ، وتكرر هذا الموقف أكثر من مرة والثعلب لا يدري ما هذا الغطاء الذي يريد منه الضبع أن يضعه على رأسه ،
وهل تضع الثعالب على رؤوسها أغطية ؟!!
فلما فاض الكيل بالثعلب وأعلنت رأسه رسمياً عن ظهور كثير من النتوءات على سطحها من جرّاء ضربات الضبع
الظالمة الغير مبررة في عرف الغابة توجه الثعلب إلى الأسد شاكياً له ظلم الضبع وأنه يضربه بلا سبب مقنع ، فما كان
من الأسد إلا أن وعد الثعلب ببحث هذا الأمر والبت فيه ..
وفي المساء قابل الأسد الضبع وسأله عن سر ضربه للثعلب ، فأخبره الضبع بمكنون صدره من كرهه للثعلب وحقده
عليه ، فأطرق الأسد قليلاً متفهماً لشعور الضبع المسكين ، وبعد تفكير اقترح الأسد على الضبع أن يجعل هناك سبباً
مقنعاً يسوّغ له ضرب الثعلب ، فموضوع غطاء الرأس هذا لا يمكن أن يتقبله العقلاء ، فليس هناك غطاء رأس للثعالب ،
فالمفترض أن يطلب منه طلباً مبهماً وليكن ( عنقوداً من العنب ) ، فإذا أحضر له الثعلب عنقوداً من العنب الأخضر
ضربه على رأسه متعللاً بأنه كان يريد عنقوداً من العنب الأحمر وإذا أحضر له عنقوداً من العنب الأحمر ضربه على
رأسه متعللاً بأنه إنما كان يريد عنقوداً من العنب الأخضر ، وبهذا تنتهي المشكلة وتنقطع حجة الثعلب بأنه ظُلِم ..
فرح الضبع فرحاً شديداً بهذه الحيلة الذكية ، وقبَّل رأس الأسد وهو يمني نفسه بكسر رأس الثعلب أول ما يراه ، وفي
الصباح فتَّش الضبع عن الثعلب في الغابة حتى لقيه ، فلمَّا رآه يضع يديه على رأسه خوفاً من الضرب بشَّرَه أنه لن
يظلمه بعد اليوم وأنه نادم على ضربه طوال الفترة الماضية دون سبب اقترفه ، وطلب منه أن يسامحه وأن يفتح معه
صفحة جديدة وأنه لن يضربه بعد ذلك إلا إذا أخطأ ، واستبشر الثعلب بهذه التصريحات ووعد الضبع أنه لن يألو جهداً
في تجنب الأخطاء التي تغضبه ..
حينها ابتسم الضبع بخبث وقال للثعلب : ( إني لم أتناول فطوري بعد ، فهلا ذهبت وأحضرت لي عنقوداً من العنب ) ،
فبادره الثعلب بتلقائية : ( هل أحضر لك عنباً أخضر أم أحمر ؟؟ ) ، فقام الضبع بضربه على رأسه ضربة شديدة صائحاً
في وجهه : ( أين غطاء رأسك ؟! ) ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
أين غطاء رأسك ؟!
هي لغة كل من عجز عن الحوار والنقاش ..
أين غطاء رأسك ؟!
هي طريق من فقد الأدلة وأعيته الحجة ..
أين غطاء رأسك ؟!
تسمعها من كل باطل منتفش عند صدامه مع الحق المستضعف ..
أين غطاء رأسك ؟!
لهجة فرعون ولغة الطواغيت وطريقة أصحاب الأفكار المنحرفة ..
يتساءل المرء كثيراً ما الذي يجعل المخطئ يتشبث بخطئه في وجه الحق رغم وضوحه وجلائه ورغم لجلجة الباطل
وارتعاشه ؟!!
لماذا عندما أعيت فرعون الحجج صرخ في وجه موسى عليه السلام : ( لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ
) ؟!!
لماذا عندما تفشل جميع حيل امرأة العزيز الإغرائة تعلن في وقاحة : ( وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ
الصَّاغِرِينَ ) ؟!!
لماذا يناقشك صاحب فكر منحرف فإذا لم يجد لديه إجابات على استفساراتك بادرك قائلاً : ( أنا لن أستطيع أن أضيع
وقتي مع من يسيء الأدب مثلك ) ؟!!
قد تنشأ مخالفة الحق بسبب ( شبهة ) ، فإذا ما واجه الحق الباطل زالت واندحرت ، ولكنها تستخلف مكانها قبل رحيلها
( شهوة ) ، ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ) ..
والآن ..
استشعرت نعمة الهداية ؟؟
كيف سيكون شعورك عندما تقرأ في الصلاة القادمة :
( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ؟؟
نصيحتي لك قبل أن أتركك وتتركني :
اقرأ هذه القصة بتدبر ..
( فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ . قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ
سِنِينَ . وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ . قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ . فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي
رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ . وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ . قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ . قَالَ
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ . قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ . قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ . قَالَ إِنَّ
رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ . قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ . قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي
لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ . قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ . قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ . فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ
مُبِينٌ . وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ . قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ . يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ
فَمَاذَا تَأْمُرُونَ . قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ . يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ . فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ
. وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ . لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ . فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا
إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ . قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ . قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ . فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ
وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ . فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ . فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ . قَالُوا
آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ . رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ . قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ . قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ . إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا
خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ . وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ . فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ .
إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ . وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ . وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ . فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ
. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ . فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ . فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ . قَالَ كَلَّا إِنَّ
مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ . فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ . وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ
الْآَخَرِينَ . وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ . وَإِنَّ رَبَّكَ
لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) ..
وجزاكم الله خيرا ..
كتبه : إبراهيم أباظة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق